
بغداد | شهد العراق، أمس، يوماً انتخابياً هادئاً ومنظّماً نسبياً، وسط مشاركة عالية مقارنة بالاستحقاقات السابقة، بلغت نسبتها 55% في المئة من الناخبين المسجلين، بحسب المفوضية العليا للانتخابات، فيما تتّجه الأنظار إلى المرحلة المقبلة التي تُعدّ الأصعب في عُرف السياسة العراقية، وهي تشكيل الحكومة الجديدة بعد التوافق على رئاستها. ومنذ ساعات صباح أمس الأولى، فتحت مراكز الاقتراع أبوابها أمام نحو 21 مليون ناخب من أصل قرابة 46 مليون عراقي، لاختيار 329 نائباً في الدورة البرلمانية السادسة، بعد عام 2003. وتنافس في السباق أكثر من 7 آلاف مرشح، ضمن 37 تحالفاً وائتلافاً توزّعت على محافظات البلاد كافة، وسط إشراف مكثّف من المراقبين المحلّيين والدوليين الذين تجاوز عددهم 1200 مراقب، إضافة إلى نحو 500 ألف وكيل عن الكيانات السياسية.
وأكّدت المفوّضية لـ«الأخبار»، أنّ العملية الانتخابية جرت في أجواء «شفّافة ومنظّمة». وقال عضو الفريق الإعلامي في المفوّضية، حسن هادي زاير، إنّ الأخيرة «وجّهت دعوات إلى 90 سفارة لمتابعة الحدث، من بينها بعثات الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة». وأشار إلى أنّ أكثر من «مليون مراقب محلّي و55 وسيلة إعلام عربية وأجنبية»، شاركت في متابعة الانتخابات من الميدان. وفي تقريره الأوّلي، أفاد «تحالف الشبكات والمنظمات الوطنية لمراقبة الانتخابات»، بدوره، بأنّ معظم المراكز فتحت أبوابها في الموعد المحدّد، رغم تسجيل تأخّر محدود في بعض المحطات لأسباب تقنية. وأكّد التحالف استمرار المراقبة في أثناء عمليات العدّ والفرز «لضمان الشفافية والنزاهة».
وتعليقاً على اليوم الانتخابي، عبّر ممثّل الأمم المتحدة في بغداد، محمد الحسان، في تصريح إلى «الأخبار»، عن «الرضى الكامل» حيال سير العملية، قائلاً إنّ «الانتخابات جرت من دون خروقات تُذكر أو تلاعب بحرّية المواطنين». وأشار إلى أنّ «العراق يتطلّع إلى حياة كريمة تعكس آمال شعبه اقتصادياً وسياسياً وأمنياً»، معتبراً أنّ «تجربة هذا العام تُمثّل خطوة متقدّمة نحو ترسيخ الديمقراطية العراقية».
سياسياً، أبدى قادة القوى العراقية استعدادهم لتسريع عملية تشكيل الحكومة، في محاولة لتجنّب المراوحة التي أعقبت الانتخابات السابقة. وقال زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، في تصريح إلى وسائل الإعلام بما فيها «الأخبار»، إنّ الحكومة المقبلة «ستُشكّل بالتوافق كما الحكومات السابقة»، مؤكّداً وجود «نيّة جادّة للتعجيل في اختيار رئيس الوزراء، لأنّ الاستقرار السياسي يتطلّب حكومة قوية وواسعة التمثيل». ورأى أنّ «نسبة المشاركة المرتفعة تعكس إرادة العراقيين في التغيير ضمن الأطر الدستورية».
الحكيم لـ«الأخبار»: لا يوجد «فيتو» على أي شخصية
ووصف رئيس «منظمة بدر»، هادي العامري، يوم الاقتراع بأنه «يوم الانتصار على التهديدات الخارجية المالية والاقتصادية»، لافتاً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «الانتخابات أُجريت رغم أنف الحاقدين والمخرّبين، وسنشكّل حكومة جديدة في أسرع وقت وبإرادة سياسية وطنية خالصة». وشدّد على «عدم السماح بأي تدخّل أجنبي في تشكيل الحكومة المقبلة»، مؤكّداً أنّ «العملية الانتخابية تمّت بنجاح رغم الدعايات المعادية».
أمّا الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، الشيخ قيس الخزعلي، فطمأن إلى أنه «لن يكون هناك أي تلاعب في النتائج أو تدخّل خارجي في عملية تشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أنّ «الإطار التنسيقي يتحمّل مسؤولية وطنية في هذه المرحلة، وسنثبت أنّ العراق لم يعُد من الديمقراطيات الناشئة، بل دولة تسعى إلى ترسيخ الاستقرار السياسي». وأكّد رئيس «تحالف القوى الوطنية»، عمار الحكيم، من جهته، لـ«الأخبار»، أنه «لا يوجد فيتو على أي شخصية»، معتبراً أنّ «هذه الانتخابات مصيرية كما كانت انتخابات عام 2005، وستؤسّس لاستقرار مستدام لعشرين سنة قادمة». ودعا العراقيين إلى «مشاركة واسعة وواعية لأنّ نتائج الاقتراع تستمرّ لأربع سنوات، والمشاركة المرتفعة هي الضمانة لبناء عراق متعافٍ سياسياً واقتصادياً».
على المقلب السنّي، عبّر رئيس حزب «تقدّم»، محمد الحلبوسي، عن ثقته بتحقيق كتلة كبيرة تتجاوز «أربعين مقعداً»، قائلاً، لـ«الأخبار»، إنّ حزبه «سيواصل العمل من أجل مناطقنا وأهلنا»، مشيراً إلى أنّ «الانتخابات مصيرية لكل العراقيين، وسننتخب مرة واثنتين وثلاثاً لاختيار الشخص الصحيح».
ورغم الزخم الميداني الواسع، فإنّ مقاطعة «التيار الوطني الشيعي» بزعامة مقتدى الصدر للاستحقاق، ألقت بظلالها على المزاج الانتخابي في بعض المحافظات الجنوبية. وكان التيار الذي انسحب من العملية السياسية منذ عام 2022، جدّد موقفه الداعي إلى مقاطعة التصويت، في حين اعتبر الصدر، في بيان، أنّ «كل مَن يدّعي دعم التيار في هذه الانتخابات كاذب»، مؤكّداً أنّ حركته «لن تشارك الفاسدين ولا التابعين». ويرى مراقبون أنّ غياب «الصدريين» عن المشهد الانتخابي «قد يؤثّر في موازين القوى داخل المكوّن الشيعي، لكنه لن يعطّل مسار تشكيل الحكومة في ظلّ الإجماع السياسي الحالي».
ومع طيّ صفحة يوم الاقتراع، تبدأ المرحلة السياسية الأشدّ تعقيداً والمفتوحة على احتمالات متعدّدة. فالمهمّة المقبلة، وفق مصادر سياسية تحدّثت إلى «الأخبار»، «لن تكون سهلة في ظلّ الحاجة إلى تفاهمات بين القوى الكبرى ضمن الإطار التنسيقي وتحالفات القوى السنّية والكردية». ورغم التشديد على تسريع تشكيل الحكومة، فإنّ تجربة السنوات الماضية توحي بأنّ مسار المفاوضات لن يكون قصيراً، خصوصاً أنّ «توزيع الحصص الوزارية» صار موضع تجاذب مبكر بين الكتل.